Quantcast
Channel: لغتنا اليوم
Viewing all articles
Browse latest Browse all 26

لغتنا بعد الثورة: مصر وتونس

$
0
0
 مما لا شك فيه أن الثورات التي قامت في عدة دول عربية تشكل نقلة نوعية وتغيرا هائلا على عدة أصعدة، مما يجعل الكثيرين يتفائلون بأن أثر هذه الثورات سوف يمتد إلى مجالات عديدة، خصوصا بعد إرساء أنظمة سياسية عادلة تعلي من إرادة الشعب وتجعلها مصدرا للسلطات.

ومما لا شك فيه أيضا أن أثر تلك الثورات سوف يمتد ليصل إلى شواطئ اللغة العربية، خصوصا في مصر وتونس اللتان عانتا، خلافا لليمن وليبيا، من التغريب على مدى عقود طويلة. ومما يجعلنا نتفائل بذلك عدة مؤشرات في كلتا البلدين، فالائتلاف الحاكم في تونس يتكون من ثلاثة أحزاب منحازة إلى هوية البلد العربية الإسلامية رغم اختلاف مرجعياتها، وأكبر الأحزاب في الائتلاف وهو حزب حركة النهضة مهتم جدا بقضية التعريب، كما أن الرئيس التونسي الحالي منصف المرزوقي كان له مشروع لم يكتمل لتعريب الطب في أيام النظام البائد. (راجع هذا المقالعن اللغة العربية ومستقبلها بقلم منصف المرزوقي قبيل انتخابه رئيسا).

أما في مصر، وهي قلب الأمة، فإن الحزبين الرئيسين فيها كما أظهرت نتائج انتخابات مجلس الشعب وهما حزب الحرية والعدالة وحزب النور يوليان أهمية كبيرة للتمكين للغة العربية وإثرائها بالترجمة كما هو مذكور في برامجهما. (شاهد هذه الحلقةعن أهمية الترجمة من برنامج قدمه خلال شهر رمضان المبارك الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل والذي كان أحد أبرز المرشحين للانتخابات الرئاسية في مصر).

وقد يتسائل البعض عن أهمية زيادة الاعتناء باللغة العربية بعد الثورة وإذا ما كان قد جد جديد يدعونا إلى ذلك، خصوصا أن الدعوات إلى التمكين للغة العربية تطلق منذ عشرات السنين. وللرد على هكذا تساؤل نورد نقطتين عن أهمية اللغة العربية بعد الثورة في كل من مصر وتونس:

١- يعتبر الاستقلال الحقيقي من أهم ما تصبو الأنظمة الناشئة في مصر وتونس إلى تحقيقه، فالتبعية للغرب كانت من أهم العوامل التي أدت إلى تخلف البلدين وكثير من بلاد العرب وغير العرب. والتبعية اللغوية أحد أهم مظاهر التبعية التي اجتاحت بلادنا منذ عصر الاحتلال الأجنبي سواء كان انجليزيا أو فرنسيا. والتخلص من هذه التبعية ليس من الكماليات، لأن تلك التبعية تؤثر على جوانب أخرى مثل السياسة والاقتصاد، وقد عبرعن ذلك الدكتور سليم العوا عندما قال أن الرئيس القادم لمصر يجب أن يكون عنده كرامة وألا يتكلم الانجليزية. وعندما تظاهر بضعة أشخاص أمام وزارة الشؤون الخارجية التونسية اعتراضا على تعيين الدكتور رفيق عبد السلام متحججين بعدة أمور منها أنه لا يتقن الفرنسية رغم أن ثمانين بالمائة من التعاملات الخارجية لتونس مع فرنسا، ردالوزير بأنه رغم إتقانه الانجليزية والفرنسية إلا أنه يرى أن اللغة العربية هي الأهم كونها لغة البلاد. وكل هذا يظهر مدى أهمية الاستقلال اللغوي كجزء لا يتجزأ من الاستقلال الشامل الحقيقي وليس الشكلي.

٢- إن من أسوأ سمات الطغيان عدم المحاسبة وغياب الشفافية، فالمسؤول في دولة الاستبداد اسم على غير مسمى، لأنه لا يسأل عن شيء، إذ يتخذ من القرارات ما يملى عليه أو ما يحلو له دون أن تكون للشعب قدرة على تفعيل آلية الرقابة على أدائه. وبما أن كلا من مصر وتونس مقبلتان على حكم رشيد تكون بإذن الله خطوات السلطات فيه مضبوطة بما يقره الشعب، فإن من المهم جدا أن يكون هناك تواصل مستمر بين الشعب والقائمين عليه، ولا يتأتى ذلك دون استخدام أداة التواصل التي يتقنها الطرفان، ألا وهي اللغة العربية.

وأي استخدام للغة غير العربية، خصوصا من قبل السلطات، يجعل من من العسير على جل أفراد الشعب معرفة ما يدور في أروقة الدولة، مما يعوق التقييم والمحاسبة. وقد ظهر هذا جليا في إحدى جلساتمجلس النواب التونسي حين استخدمت إحدى النائبات الفرنسية عوضا عن العربية، وهو الأمر الذي أثار احتجاجات ولغطا في المجلس، إذ كيف يمكن للتونسيين الذين لا يتقنون الفرنسية، وهم الأغلبية، أن يفهموا ما يناقشه النواب من تشريعات وقضايا تهم الشعب؟

ولا تقتصر أهمية استخدام اللغة العربية على النقاشات العامة، ولكنها تتخطى ذلك، حيث لا يعد استخدام اللغات الأجنبية في تدريس التخصصات العلمية والأبحاث عائقا أمام الطلاب وكل من لا يقوى على إتقان تلك اللغات فقط، وإنما يعتبر أيضا حجر عثرة أمام الرأي العام الذي يصعب عليه معرفة أوجه إنفاق أمول دافعي الضرائب. وعلى سبيل المثال فإن جل محتويات صفحة المركز القومي للبحوثفي مصر على النت باللغة الانجليزية، وكذلك الدوريات والأبحاث التي يصدرها العاملون بالمركز، مما يعني أن القدرة على الرقابة على كيفية إنفاق الأموال التي تعطى للمركز تضعف، إذ كيف يمكن للشعب أو حتى لغالبية نوابه الذين لا يتقنون سوى العربية معرفة ما إذا كانت البحوث التي يقوم بها علماء المركز مفيدة للبلاد أم لا إذا كانت بلغة أجنبية؟ وحتى إصدار ملخص بالعربية لكل بحث لا يكفي، إذ أن نقد أي بحث يستلزم النظر في تفاصيله وهو ما يتطلب بدوره درجة عالية من حذق اللغة الانجليزية التي نشر بها البحث.

خاتمة
إن التمكين للغتنا العربية أحد أهم عوامل النهضة الأساسية إن لم يكن أحد أركانها الرئيسة، ليس للنقطتين المذكورتين أعلاه فقط، وإنما أيضا لأسباب أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها. ولذا فإن على الأنظمة الجديدة قيد الإنشاء في مصر وتونس الاهتمام باللغة العربية والبحث في سبل دعمها، وخاصة في مصر التي إن قامت للغتنا فيها قائمة فإن ذلك سينعكس إيجابا على كل الدول العربية وحتى غير العربية، وهذا أكده الشيخ راشد الغنوشي حين قال خلال زيارته لمصر أن كل نجاح تحققه الثورة المصرية هو نجاح للثورة التونسية وللثورات العربية أيضا.

إذا العروبة حلّت عرش دولتها          فمصر تاج لها قد صيغ من ذهب


Viewing all articles
Browse latest Browse all 26

Trending Articles